زيارتي لسورية بعد عشرة أعوام من الغربة

2025-02-09

بعد أن انتصرت الثورة السورية انتقلنا مباشرة إلى سؤال متى نسافر، كان ذلك بداية شهر كانون الأول، وبما أن أعياد الميلاد تقترب هنا في ألمانيا، فالفرصة جاهزة ومواتية. رغم ذلك، فقد ترددنا قليلًا لقلة الرحلات وغلاء التذاكر، لكن التردد لم يطل حيث حسمنا أمرنا وحجزنا إلى بيروت يوم ۲۸ كانون الأول. الهبوط في بيروت كان بنكهة مختلفة تمامًا عن تلك التي خبرناها يوم مغادرتنا البلاد عبر بيروت أيضًا، كان الطريق إلى الحدود السورية مليئًا بالشجن، اللافتات العربية، الشمس، هواء البحر، ودرجة الحرارة.

الحدود اللبنانية السورية لا تزال مدمرة بفعل غارات إسرائيلية. هناك على الحدود كان والدي ينتظرنا، لم أرَ والديّ منذ خريف ۲۰۱۹، كانت تلك هي المرة الأخيرة التي استطاعوا فيها الحصول على تأشيرة دخول إلى تركيا. التقى تيم بجده لأول مرة منذ أن كان عمره أشهرًا. كان لقاؤنا على الحدود رمزيًا ومعبّرًا، لطالما فرقتنا الحدود نفسها، واليوم تستضيف هي نفسها اللقاء الأوّل. لم يطل الطريق كثيرًا، بين الحدود وحمص قرابة الساعة وربع. دخلنا سورية من معبر العريضة في طرطوس، حيث لفتنا هواء البحر المنعش، ودرجة الحرارة الدافئة. كان الطريق مشجرًا ونظيفًا إلى درجة لم نتوقعها، كان شاعريًا، أو هكذا وجدناه نحن!

في العام الماضي طلبتُ من أهلي أن يرسلوا لي نسخةً عن مفتاح البيت، مستلهمًا من تجارب الفلسطينين في الشتات، قلت لهم أريد أن أحمل مفتاح بيتي معي كرمزٍ للأمل؛ أنه في يومٍ ما، سأعود، وسأفتح الباب بنفسي وأدخل. جاء هذا اليوم، جاء أسرع كثيرًا مما كنت أظن، صعدتُ إلى الدرج نفسه، في البناء نفسه، وفتحت الباب نفسه، التقيتُ أخيرًا بإخوتي الذين لم أرهم منذ عام ۲۰۱٥، التقيت بوالدتي، بأصدقائي، بذكرياتي، بعواطفي وأشجاني.

أن تمشي بالشارع حيث يتكلّم المارة كلهم العربية هو شعور وتجربةٌ لا تصدق! عشر سنواتٍ من الغربة جلعتنا ننسى كيف تُشكّل اللغة هويةً ووجدانًا، وليست مجرد أداةٍ للتواصل. أن تمشي بالشارع حيث يعرفك الناس وتعرفهم هو كذلك شعورٌ وتجربةٌ لا تصدق، أنت لست غريب، بل معروف، يعرفك المارة جميعهم، يعرفك الجيران، والمحال، وحتى الشوارع!

زرتُ أقاربي ممن كان اللقاء بهم حلمًا نادر التكرر، ومستحيل المنال. سهرتُ مع أصدقائي الذين كنتُ أتبادل معهم عبارة "الله يجمعنا" دون أن نخال أن ذلك سيكون، وسيكون أقرب مما ظننا.

في العموم، وجدتُ حال مدينتي حمص أفضل مما كنتُ أتوقعه، هذا لا ينفي تردّي البنية التحتية ولا غيرها من المشاكل، فقط أن توقعاتي ربما كان مبالغ في سوئها. المباني والشوارع لا تزال على حالها - بالمعنى الجيّد للكلمة، بينما البنى التحتية متهالكة تمامًا؛ مواصلات، كهرباء، إنترنت إلخ، رغم ذلك، فالناس سعيدة ومنتشية بسقوط نظام الأسد، وزوال الظلم والإستبداد، ومتفائلة بما هو قادم.

لم نستطع خلال أسبوعين القيام بكل ما نوينا القيام به، لكننا أمضينا وقتًا طويلًا مع الأهل والأقارب والأصدقاء، زرنا دوما ودمشق، اشترينا كتبًا، حجزت اسمًا على النطاق الوطني sy، اشترينا ثيابًا ومنتجاتٍ أخرى نصطحبها معنا. والأهم، أن هذه التجربة دشنت زياراتنا القادمة، وأنها فتحت لنا الأمل كي نعود يومًا إلى وطننا.

comments powered by Disqus